حوار مع القاص فتحي خشايمية -حاورهُ الكاتب،الناقد: علاوة كوسة-

فتحي خشايمية..صوت قصصي واعد..يتنفس الإبداع..ويعجن قصصه بشذى فني جميل..أكاديمي وباحث في الأدب الجزائري..التقيناه على ركح المحبة فكان هذا البوح..

–     السلام عليكم ، فتحي خشايمية حدّثونا في البداية عن تجربتكم القصصية.

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أخي علاوة ، نسعد أكثر ونحن نتواصل معكم. في البداية : أهنئكم على ميلاد جبهة القصة القصيرة ، هذا المولود التواصلي والتفاعلي الجديد ، الذي يحاول من خلال القصة القصيرة أن يقرب المسافات الأدبية والإبداعية والأخوية ، وأتمنى أن تبقى هاته الروح التفاعلية فيكم باقة حب وود وتقارب تمنحونها للجميع .

بدايتي مع القصة القصيرة كانت تتمثل في  عنصر مهم كان له دورا بارزا في صقل تجربةي الإبداعية وهو الجو العائلي ، فأبي السيد (الشريف خشايمية )كان هو المثال الذي نقتدي به في كتابة الأشعار والقصص المختلفة ، فعندما كنا صغارا أنا وإخوتي وأخواتي  كان يقرأ لنا الأشعار والقصص التي كان يكتبها ،وهو ماساهم في عقدنا لأواصر الصداقة مع القراءة والأدب بشتى أشكاله النثرية والشعرية ، ومن هنا كانت المحاولات الأولى لي ولإخوتي لممارسة فعل الكتابة بمختلف تجلياتها الأدبية .

وأما البداية الفعلية للكتابة  فكانت أيام الجامعة ،فقد كنت عضوا في ّنادي ماونة الأدبي “التابع لقسم اللغة العربية وآدابها بجامعة قالمة، هذا النادي كان تحت إشراف الأستاذ، الشاعر ، المبدع عبد الغني خشة ، ويترأسه الطالب عصام بحري ويضم شلة من المبدعين الذين يكتبون الشعر والقصة والرواية ، ومن بينهم : عمارة تباني ، خولة مقراوي ، ونادية خراخرية ، وعلي طرش …وغيرهم من الطاقات الإبداعية الأخرى التي تزخر بها جامعة قالمة .من خلال هذا النادي الذي كان فرصة للتواصل مع الآخر والخروج من السبات الإبداعي ، كانت بدايتي مع كتابة القصة القصيرة ، فكنا نقيم الأمسيات الشعرية والأدبية وكنا ننشر مختلف القصص والأشعار في مجلة النادي الموجودة ببهو قسم اللغة العربية وآدابها ، بالإضافة إلى هذا كنا نشارك في مختلف الحصص الأدبية في الإذاعات الجهوية ومن خلالها كنا  نستعرض مختلف الأعمال الأدبية لأعضاء النادي.

كيف تنظر ون إلى الحركة الإبداعية في الجزائر وإلى راهن القصة القصيرة هنا في الجزائر؟

هذا السؤال يتطلب وقفة طويلة متأملة ومتأنية،تستوعب أعماق التجربة الإبداعية و القصصية في الجزائر .فالحركة الإبداعية  في الجزائر كانت ولازالت تمتاز بنفس التّفرد والتّميز في التعبير والكتابة على مستوى مختلف الأجناس الأدبية ، وقد اتخذت لها مكانة في الجغرافية الأدبية العربية والعالمية .والقصة القصيرة تحاول بجهد دؤوب أن تتبوأ مكانتها الأدبية اللائقة بها كعنصر إبداعي له سماته وخصوصياته.فالجزائر عرفت هذا الجنس الأدبي المتمثل في القصة القصيرة قبل الاستقلال ، فكانت البدايات الأولى مع أحمد رضا حوحو وغيره من الأدباء الآخرين الذين جاؤوا من بعده .والقصة القصيرة اليوم في الجزائر لها سلطتها ،ولها كتابها المؤمنون بها ونقادها المدافعون عنها ، هؤلاء الكتاب والنقاد لم يدخروا جهدا ولا وقتا للتعريف بها. وخير مثال على هذا جهود جمعية العلماء المسلمين بصحفها ومجلاتها قبل الاستقلال وجهود مختلف الهيئات والمؤسسات الثقافية في الجزائر بعد الاستقلال ، مثل : اتحاد الكتاب الجزائريين , وجمعية الجاحظية الثقافية , ورابطة كتاب الاختلاف وغيرها من الجمعيات والهيئات الثقافية الأخرى.

بالإضافة إلى ماقدمه من أعمال قصصية ، كل من  : الطاهر وطار ،السعيد بوطاجين ، جميلة زنير ،حسين فيلالي , عز الدين جلاوجي ، باديس فوغالي ، جمال فوغالي ،بشير مفتي، علال سنقوقة، الخير شوار ، ،عمارة كحلي ،جميلة زنير ، حكيمة صبايحي , …وغيرهم من الكتاب المخلصين الذين حفروا لأنفسهم اسما من ذهب في مسار هذا الجنس الأدبي. فالساحة الجزائرية أخي علاوة  كوسة تعج بالعديد من الأسماء التي لها سلطتها وبصمتها الواضحة والجلية في المشهد الإبداعي القصصي الجزائري والعربي.

– اقترن ظهور القصة بالصحافة..هل مازالا وفيّين لبعضهما ؟

بالتأكيد فالصحافة تعد عنصرا مهما من مظاهر النهضة العربية ، فهي الجسر الذي يمر من خلاله الكاتب إلى القارىء،وبهذا تبقى الصحافة  ، المرجع الأول الذي ساهم في إخراج الأعمال الأدبية إلى النور، وترسيخ العلاقة بين النص والمتلقي أو القارىء. فالصحافة توفر للمبدع أوللقاص، عددا كبيرا من القراء ،يخاطبهم بلغتم ويقربهم منه.فعند حديثنا عن علاقة الأدب بالصحافة ،نجد أن أكثر الأدباء مارسوا الكتابة الأدبية ،وعملوا في الصحافة في نفس الوقت ، فجمعوا بين الأدب كموهبة والصحافة كمهنة ، فكانت الصحافة تعبر عن مختلف القضايا السياسية والأدبية والاجتماعية من خلال الأدب .

من جهة أخرى نجد أن الصحافة قد سهلت وصول القصة القصيرة للقارىء أو المتلقي ، وساهمت في انتشارها في مساحة جغرافية وأدبية شاسعة ،وبالتالي قد فتحت الصحافة للقصة قنوات جديدة واسعة ، وفضاءات جديدة للتداول والتأثير والانتشار.

فالصحافة والقصة القصيرة ، مايزالان وفيان لبعضهما البعض ، باعتبار أن القصة سهلة النشر في الصحافة وهذا لقصرها ،على غرار الرواية التي تتسم بالطول ، وهو ما قد تعجز عنه الصحافة ، فنشر الرواية في الصحيفة يتطلب التزاما معينا ،وهو مالا تسطيع القيام به معظم الصحف . والقصص تساهم في رواج الصحف ،من خلال القراء الذين يطالعون الصحف التي تخصص صفحات للكتابة القصصية.باعتبار القصة القصيرة عنصر ثقافي من جهة وعنصر للفسحة والاستجمام الأدبي من جهة أخرى.

– كيف تفسرون انتقال كثير من كتاب القصة القصيرة إلى الرواية ؟

أنت تعرف يا أخي علاوة بأن معظم الكتاب الذين يتخذون من الرواية ملاذا وملجأ يعبرون فيه عما تجيش به صدورهم ، ومعظمهم  مروا على القصة القصيرة ،ثم اتجهوا إلى كتابة الرواية، فلما وجدوا بأن القصة القصيرة تختصر وتكثف الأحداث في نص يتسم بالإيجاز، ويكون على شكل  قطعة سردية قصيرة ، تعبر عن تجربة معينة .والواقع بكل تجلياته وأعماقه يتطلب نفسا عميقا وهذا مايفرض على الكتاب أن يتجهوا إلى الرواية ، باعتبارها تفتح للكاتب مجالا أوسع للبوح والتعبير ،بالإضافة إلى أن الرواية قد تعبر عن أزمة ما في فترة زمنية معينة ، ومثال على هذا تجد أن معظم الكتاب الجزائريين في فترة “الأزمة “أو “العشرية السوداء” تحولوا من كتابة القصة إلى كتابة الرواية ، لأن الجرح الجزائري كان أعمق آنذاك .والرواية وحدها القادرة  على التأريخ لتلك الفترة باعتبارها تمتاز بالطول وتوظف عدة تقنيات فنية تسمح لها بتصوير الأحداث وسردها .

فالتحول السريع  في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية ، ساهم بشكل أوبآخر في انتقال الكثير من  كتاب القصة القصيرة إلى الرواية .

– لم تنل القصة القصيرة – على خلاف بقية الأجناس –حظها من الاهتمام..ما سبب ذلك ؟

القصة القصيرة اليوم في الجزائر وفي الوطن العربي لم تلق العناية اللائقة بها ، فمعظم الكتاب يرون بأنها غير قادرة على التعبير عن روح العصر، على عكس الرواية التي تعتبر سيدة العصر ، ولمكانة القصيدة الشعرية في قلوب القراء ، بالإضافة إلى اعتماد القصة القصيرة على التكثيف اللغوي وتوظيف عنصر الخيال والرمز والتأمل ، واعتمادها على فكرة واحدة و شخصية رئيسية واحدة  وحادثا واحدا  .وغيرها من الملامح الفنية الأخرى التي تجعل من القصة القصيرة متفردة عن باقي الأشكال الأدبية الأخرى ، وهذا ما يفرض على الكاتب أسلوبا فنيا يمتاز بالمفارقة و بالإيجاز وبالدقة اللغوية والاقتصاد في الوصف والتكثيف اللغوي في تصوير وإخراج فكرة معينة في شكل قصة قصيرة وهو ما يدفع بالكتاب إلى الاختباء في ظلال الأشكال الأدبية الأخرى التي تسهل عليهم المناورة اللغوية، والتعبير بكل حرية . ومن هنا كانت القصة القصيرة ( أن تقص فلا تبطئ وأن تكتب فلا تطنب ).

بالإضافة إلى هذا غياب النقد الأدبي الذي يدرس هذا الجنس الأدبي ،باعتبار أن النقد يساهم في التعريف بمختلف الأجناس الأدبية، والنقد والإبداع وجهان لعملة واحدة ،فالقصة القصيرة لم تلق اهتماما كبيرا من طرف الدارسين على غرار الرواية التي تحظى باهتمام كبير من طرف الباحثين والنقاد والدارسين ،حتى أن معظم الدراسات الأكاديمية تتوجه إلى دراسة أجناس أدبية أخرى ، وقلة منهم من يهتم بهاته النصوص الأدبية القصصية النابضة بالحياة ، والتي في أغلب الأحيان يؤول مصيرها إلى النسيان والإهمال.فالقصة القصيرة خضعت منذ ظهورها سواء في الوطن العربي أو في الجزائر إلى هجوم جارح وتشويه حاول النيل من جنسها

بالإضافة إلى حقيقة أخرى لاتخفى على أحد وهي توجه النقاد إلى إلى إهمال نصوص إبداعية جميلة لكتاب مجيدين في نصوصهم، وتركيزهم على أسماء، معينة في قراءاتهم النقدية المختلفة للنّصوص ، أي اعتمادهم على المحاباة النقدية، في حين تجد نصوص أدبية جميلة لم يكتب عنها ولو جملة واحدة.ولهذا يجب التركيز على تناول مختلف النصوص الإبداعية بغض النظر عن كاتبها ،فالعديد من النصوص أعدمها النقاد بتجاهلهم لها.فلا قيمة لإبداع ولا قيمة لنص من دون نقد يخرجه للوجود.

-ما الذي أضافه النشر الالكتروني للقصة القصيرة ؟

لقد ساهم النشر الالكتروني في انتشار القصة القصيرة في ظرف قصير ، ووصولها للقارىء العربي في كل مكان ، أي أن النشر الالكتروني يقلص المسافات ويسهل وصول القصة للقارىء في أقصر وقت وفي كل وقت .

-كلمة للقراء من فضلكم ؟

أنا أريد حيث أكون أنا المهم أنني أتنفس في الكلمة أنني أبثها روحي وأتوحد معها . فكل ما يعيشه الكاتب يحوّله بكل تجلياته إلى كلمات ، فالكاتب يعيش الواقع بكل تفاصيله ، ويحاول أن يحول هاته التفاصيل إلى طقوس كتابة وإبداع،فأنا أدعو القراء للجلوس عند شواطىء الكلمات ،والاستجمام تحت مظلة العبارات ، وأقول لهم :تعالوا نمارس صفا الإبداع ومروة الكتابة وزمزم القراءة ، وأنصحهم بقراءة القصة القصيرة باعتبارها نصاً،أدبياً، بسيطا، يغري بالقراءة الكبرى ، وسيأتي اليوم الذي يتبوأ فيه هذا الجنس الأدبي مكانته الأدبية التي يستحقها .وأتمنى لكم التوفيق أخي علاوة ومزيدا من النجاحات والانتصارات والإبداعات، ودمتم مع جمال الكلمة وصدقها ونبضها.

 

3 تعليقات

  1. 31 جويلية 2011 في 12:08 م

    مقال قيم

  2. دلال said,

    11 جوان 2012 في 2:37 م

    جميل جدا

  3. رزيقة said,

    23 نوفمبر 2012 في 3:38 م

    رااااااااااااااااااااائع


أضف تعليق